الأحد، 3 أكتوبر 2010

مظفين الشهر العقارى ثائرون


على باب «مصلحة الشهر العقارى والتوثيق» بمكاتبها الممتدة بطول مصر وعرضها يقف كل يوم آلاف المواطنين على أقل تقدير، سعيا وراء قضاء مصالح حيوية شتى؛ من توثيق توكيلات البيع والشراء والتقاضى وغيرها، إلى تسجيل وحماية ملكياتهم العقارية من أراض ومبان.

وفى حين تتحدث وزارة العدل التابع لها المصلحة عن «إنجازات»، يؤكد المواطنون أنهم يجابهون بأشكال وألوان من «الروتين وبطء الإجراءات وتعقيداتها فضلا عن الإهمال وفساد الزمم»، وهى المنظومة التى تجعل البعض يخرج وهو «يلعن اليوم إللى جه فيه هنا» على حد قول أحدهم.

وربما كان الوجه الآخر لمعاناة المواطنين على أبواب المصلحة، هو معاناة الموظفين الموجودين بداخلها، الذين تحركوا فى الآونة الأخيرة مطالبين بتطوير أوضاعهم وأوضاع «مصلحتهم» بعد أن تردت، كما يقولون، الأحوال بما يفوق قدرتهم على الاحتمال.

وما بين معاناة المواطنين ومعاناة الموظفين، يطرح العاملون فى المصلحة وقياداتهم مشروع قانون إنشاء «هيئة الملكية العقارية والتوثيق»، باعتباره الحل الأمثل، الذى يخدم الصالح العام ومعه مصالح المواطنين والعاملين.

وإذا كان هناك اختلاف حول بعض بنود هذا المشروع، لاسيما فيما يتعلق بالطبيعة القضائية لهذه الهيئة، إلا أنه لا يكاد يختلف أحد من المتخصصين والعالمين ببواطن الأمور على الضرورة الملحة لتطوير مصلحة الشهر العقارى والتوثيق.

الموظفون: محبطون وممكن (نضيع)البلد
وسط كومة كبيرة من الوثائق الملقاه أمامه وإلى جانبه، وعشرات البشر الملتفين حوله والواقفين بجواره فى انتظار قضاء مصلحة لهم، جلس الباحث القانونى الشاب الذى لم يتعد الثلاثين من العمر «محمد فايز» فى «مكتب توثيق الجيزة» التابع لـ«مصلحة الشهر العقارى والتوثيق».

كان محمد الحاصل على درجة الماجستير فى القانون، يقوم بعمله قدر الإمكان محاولا التغلب على كل الأشياء المحبطة التى دفعته للمشاركة قبلها بأيام فى إضراب عن العمل للمطالبة بتطوير أوضاع المصلحة وتحويلها إلى هيئة قضائية باسم «هيئة الملكية العقارية والتوثيق».



لو مش مُهمين ماكناش حلفنا اليمين
محمد هنا ليس الاسم الحقيقى لهذا الباحث الشاب الذى طلب عدم ذكر اسمه خوفا من «التنكيل» به؛ خاصة أنه واحد من الدفعات التى تم تعيينها حديثا نسبيا والمكونة فى معظمها من الشباب الحاصل على الماجستير أو الدكتوراه فى القانون، والتى تعتبر بمثابة «الدينامو» وراء التحركات الأخيرة المطالبة بتطوير أوضاع المصلحة.

قبل أن يتحدث محمد عن المشكلات والأسباب التى كانت وراء الاحتجاجات التى قام بها مع زملائه فى الفترة الأخيرة، أراد أن يؤكد أولا على الطبيعة المهمة لعمل المصلحة، مشيرا إلى أنها تختص ببحث وتسجيل الأراضى والمنشآت المبنية عليها، فضلا عن توثيق التوكيلات العامة والخاصة كما فى توكيلات البيع والشراء أو توكيلات القضايا للمحامين، وإقرارات الصلح بين الأفراد، وغيرها».

«إحنا عندنا حاجات اللى يشتغل فيها وهوه مش أمين ممكن يودى ناس فى داهية ويضيع البلد» هكذا استطرد محمد مشيرا أيضا إلى ما يقوم به الأعضاء القانونيون بالمصلحة قبل تسلمهم مهام عملهم من «حلف اليمين» أمام وزير العدل قائلين «أقسم بالله العظيم أن أؤدى أعمال وظيفتى بالشرف والأمانة وأن أحترم الدستور والقانون»، تماما مثلما يفعل أعضاء الهيئات القضائية.




كل ما تشتغل أكتر.. تعمل أخطاء أكتر
لكن على الرغم من هذه الأهمية التى تحظى بها مصلحة الشهر العقارى والدور الحيوى الذى تقوم به، يغرق محمد وبقية زملائه من الأعضاء القانونيين بالشهر العقارى البالغ عددهم نحو 2700 عضو، وإلى جانبهم وإن بأشكال ودرجات مختلفة الإداريين والكتبة والعمال الذين يشكلون مع القانونيين إجمالى 10 آلاف موظف فى مصلحة، يغرقون فى عديد من المشكلات التى يرى محمد أنها «تعوقهم عن أداء عملهم، وتجعل اليأس عنوانا لحياتهم».

يقول محمد وهو يجاهد لكى يكون صوته واضحا بين ضجيج ونداءات الموظفين على المواطنين: «المفروض إن أنا باشتغل هنا باحث قانونى، وتجينى التوكيلات أدور على أصلها، ومين بيوكل مين.

والواحد لو لقى وقت يعمل فيه الحاجات ديه يبقى مفيش توكيل هيعدى من تحت إيده مزور» «لكن لأن مفيش عدد كافى (15 قانونى فقط) ولا أجهزة كمبيوتر، بيقتصر شغلى على إنى كاتب».

يصل عدد التوكيلات التى يحررهها محمد يوميا إلى 70 توكيلا فى اليوم وهو المعدل الذى يقول إنه من أعلى المعدلات على مستوى الجمهورية. «المشكلة إنك كل ما تشتغل أكتر كل ما تعمل أخطاء أكتر، وده بيحصل يوميا تقريبا، وساعات مثلا ممكن تنسى تمضى المواطن على التوكيل أو تنسى تكتب عنوانه مثلا». ويضيف موضحا: «عشان أشتغل صح لازم أشتغل براحتى».

حتى فترة الراحة التى كان مقررا لها نصف الساعة، من الواحدة والنصف وحتى الثانية بعد الظهر، «لغوها، على أساس إن انت مش بنى آدم». هنا رفع أحد زملاء محمد رأسه قليلا من على التوكيلات التى كان منهمكا فى كتابتها، وقال بلهجة ذات مغزى لفتت أنظار بقية الموجودين «وياريت على الاستراحة بس» ثم عاد وانكب على عمله، يؤديه بطريقة آلية معتادة.




لا إجازات ولا رواتب
لا يتجاوز الراتب الأساسى الذى يحصل عليه محمد عن عمله فى الفترة من التاسعة صباحا وحتى الثانية بعد الظهر أكثر من 305 جنيهات، ولا يصبح أمامه بالتالى بديلا عن أن يعمل الوقت الإضافى من الثانية وحتى الخامسة مساء، وذلك نظير 400 جنيه إضافية، ليقترب إجمالى راتبه الشهرى من 800 جنيه. لكن حتى يحصل على الـ800 جنيه ينبغى أن يواظب على عمله طوال الأسبوع بما فى ذلك أيام الجمعة التى يعمل فيها مكتب توثيق الجيزة أيضا، وينبغى ألا تزيد مدة غيابه على 3 أيام فى الشهر.

ينظر الباحث القانونى الشاب إلى هذا الراتب الشهرى الذى يصفه بـ«الهزيل» ويتعجب من الفارق الكبير بينه وبين العائد الذى يدره هو شخصيا على المصلحة ووزارة العدل من حصيلة التوكيلات التى يوثقها والتى تصل قيمتها يوميا إلى نحو 2000 جنيه، هذا فضلا عن العائد الذى يدره «المكتب» ككل والذى يصل إلى نحو 40 ــ 50 ألف جنيه يوميا.

مؤخرا، وبالتزامن مع محاولات أعضاء حملة «عايز حقى» تحرير توكيلات فى الشهر العقارى للدكتور محمد البرادعى تخوله الحق فى تشكيل لجنة لتغيير دستور مصر، أقرت وزارة العدل حوافز إضافية تتراوح بين 220 و350% من الأجر الأساسى. إلا أن ذلك كما يقول محمد لم يغير من أوضاعهم المادية كثيرا خاصة أن هذه الحوافز مشروطة بإنجاز عدد توكيلات معين يوميا.

وتبقى مشكلة ضعف رواتب الأعضاء القانونيين وغيرهم من العاملين بمصلحة الشهر العقارى والتوثيق، تتعدى كونها مجرد مشكلة خاصة بهذه الفئة فقط لتصبح مشكلة تتعلق بمدى كفاءة ونزاهة الجهاز الذى يعملون فيه ككل.

«إذ يلجأ بعض الموظفين من أصحاب النفوس الضعيفة ولاسيما أولئك القدامى المكبلين بمسئوليات وأطفال إلى تقاضى رشاوى، بدليل أن بعض العاملين فى مكاتب المصلحة «عندهم عمارات وعربيات بما لا يتناسب مع دخلهم».




مكتب التوثيق على كف عفريت
مقار مصلحة الشهر العقارى والتوثيق غير المجهزة والمعدة لهذا الغرض والتى تتميز غالبا بالفوضى والزحام الشديد، هى واحدة من بين الأشياء التى تضاف إلى أسباب غضب الأعضاء القانونيين بالمصلحة، وشعورهم بمزيد من «ضياع هيبتهم وهيبة المهنة».

«مكتب توثيق الجيزة» مثلا هو فى الأصل، كما يقول محمد، عبارة عن 4 شقق سكنية مؤجرة فى عمارة قديمة بالقرب من ميدان الجيزة، و«صاحب العمارة واخد حكم بالطرد ومش عارف ينفذ لأن مفيش مكان تانى المكتب يروح فيه». «لو مواطن جاى يعمل أى حاجة هنا بيدوخ».

هنا يشير محمد إلى أن نسبة من الرسوم التى تحصلها المصلحة ووزارة العدل من المواطنين مقابل تحرير وتوثيق «التوكيلات» (تصل إلى خمسة جنيهات) تذهب إلى «إنشاء وتجديد المحاكم». و«يبقى انت اخدت فلوس من الشهر العقارى، وبنيت بيها محكمة، وما إدتناش حتى مكتب نشتغل فيه».

لهذه الأسباب السابقة وجد «اليأس» طريقه إلى «محمد» ولم تتعد مدة عمله بالمصلحة عامين. ولهذه الأسباب أيضا شارك مع زملائه فى التحركات الاحتجاجية الأخيرة والتى يملؤه التفاؤل فى قدرتها على تحقيق مطلبهم بـ«تطوير أوضاع المصلحة وتحويلها إلى هيئة مستقلة للملكية العقارية والتوثيق».




المواطنون: غارقون فى الروتين والبطء
مواطن: طلبوا منى شراء نموذج توكيل من البقال وفى نهاية الطابور قال لى الموظف «تقدير الرسوم فى الشقة التانية»

بعد أن تجاوز «عم عبدالعال» اليافطة الخشبية القديمة الموضوعة رأسا على عقب على يسار المدخل المؤدى إلى «مكتب توثيق الجيزة النموذجى»، و«أخذ حذره من السلم» المتهالك حسبما تشير ورقة صغيرة مُعلقة على الحائط، وجد نفسه أخيرا هناك.

وبعد أكثر من ساعة ونصف الساعة من الإجراءات كان الرجل الستينى القادم لتوثيق توكيل لبيع سيارته ما يزال واقفا على باب المكتب التابع لمصلحة الشهر العقارى والتوثيق والواقع بالقرب من ميدان الجيزة فى عمارة قديمة بشارع همدان المتفرع من شارع مراد.

خلال هذه المدة التى بدت طويلة جدا بالنسبة له، تنقل عم عبدالعال بين 6 موظفين وأكثر من شباك، واحتفظ فى ذاكرته بكثير من المفارقات المضحكة والمثيرة للغضب، وفوق ذلك لم يكن قد تسلم التوكيل بعد.

فى البداية طلبوا منه مثلا «شراء نموذج توكيل من عند البقال»، ووقف فى طابور طويل أمام غرفة مكتوب عليها «تقدير الرسوم»، وبعد أن جاء عليه الدور أخبره الموظف بأن «تقدير الرسوم مش هنا ده فى الشقة التانية».

لذلك يقول عبدالعال: «المكتب هنا نموذج للسوء، وحاله من حال البلد كلها». «المفروض الإجراءات دى يتم ضغطها، ونتعامل مع موظف واحد فقط، بدل ما يشحطاطونا كده».




فى مكتب التوثيق.. أد إيه إحنا متقدمين؟!
معاناة عم عبدالعال ليست الوحيدة فيما يبدو فى هذا «المكتب»، الذى يخدم مناطق بولاق وفيصل والجيزة والهرم والمنيب وساقية مكى، والمكدس بمواطنين قادمين لأداء مصالح تتراوح بين توثيق توكيلات البيع والشراء والتقاضى، وإقرارات الصلح بين الأفراد، وغيرها.

بجوار «عبدالعال» كان يقف أيضا «عاطف الشربينى»، المدير الإدارى بإحدى الشركات الخاصة، فى انتظار الحصول على توكيل مماثل.

لم تكن تلك هى المرة الأولى التى يصطدم فيها الشربينى بما سماه «الروتين العقيم» للشهر العقارى، فقد سبقتها مرتان. وها هو الآن بعد أكثر من ساعة من قدومه لا يزال ينتظر «أن يوقع فى الدفتر ليحصل على التوكيل».

هنا دار حديث عابر بين الشربينى وعبدالعال وأحد المنتظرين حول «الرشاوى»، التى يتقاضها البعض داخل المكتب، والتى قال أحدهم: «إنها تبدأ من 20 جنيها وعلى حسب الفيزيتا»، مشيرا إلى أنها أحد الأبواب السحرية التى تُتيح إنهاء الإجراءات بسرعة نسبية.

بعدها قال الشربينى وهو ساند على جدار المدخل «الخدمات مقياس للحضارة والتقدم فى أى بلد، ولما تبص على المنظر فى المكتب، وإزاى الشغل ماشى، تعرف أد إيه فعلا إحنا متقدمين».
عقب زيارة عم عبدالعال والشربينى لمكتب توثيق الجيزة بدأت أخيرا عملية إحلال وتجديد لسلالم المكتب بعد سنين من الإهمال وأعداد كبيرة من الإصابات. لكن معاناة المواطنين من الروتين وطول الإجراءات، كانت ما تزال كما هى.




وفى «مأمورية» الهرم.. «الحال من بعضه»
تتكون مصلحة الشهر العقارى والتوثيق، كما يشير اسمها، من قسمين أولهما هو «مكاتب التوثيق» كما هو الحال مع مكتب توثيق الجيزة، وثانيهما هو «مأموريات الشهر العقارى» التى تختص ببحث وتسجيل ملكية الأراضى والمنشآت المبنية عليها.

فى «مأمورية شهر عقارى الأهرام» الواقعة بشارع عكاشة بالدقى، والمختصة بمناطق الدقى والعجوزة وهضبة الأهرام، لم يختلف الحال كثيرا عما كان عليه فى مكتب توثيق الجيزة «النموذجى» أيضا.
سيد نبيل المحامى هو أحد هؤلاء الذين يتوافدون يوميا على «المأمورية» ويعرفون الكثير بالتالى عن «سير العمل» بها. فبحكم المهنة ومدة تعامله الطويلة التى تزيد على 11 عاما مع هذه «المأمورية»، يحكى سيد بثقة عن «تعقيدات وروتين وأشياء كثيرة لا منطق لها».

يقول سيد: «يمر الطلب فى مأمورية الشهر العقارى بما لايقل عن خمس مراحل، كل مرحلة منها يقوم بها موظف مختلف يبدأ البحث من البداية. والبحث هنا يخضع لتعقيدات عقيمة ويتم بعيدا عن أجهزة الكمبيوتر والتقنيات الحديثة».




كيف تسجل شقة غيرك؟
«الروتين» فى مصلحة الشهر العقارى مستشرى فيما يبدو، وأحد أسباب ذلك، كما يوضح أحد الأعضاء القانونيين بـ«مأمورية الأهرام»: أن هناك «طلبات» يتوزع أمر بحثها ما بين مصلحة الشهر العقارى وهيئة المساحة التابعة لوزارة الرى، و»الضرائب العقارية» التابعة لوزارة المالية.
من هذه «الطلبات»، كما يوضح سيد نبيل المحامى، طلب معرفة وتسجيل حصة شقة سكنية فى الأرض. «مثل هذه الطلبات تستغرق منى أسبوع من الجرى وراها، ومن غير متابعة ممكن الأسبوع ده يوصل لـ3 شهور».

ولا تتوقف غرائب الشهر العقارى، كما يؤكد سيد عند هذا الحد. إذ يمكن لأى شخص مثلا أن يتقدم بطلب لتسجيل «شقة سكنية» غير مملوكة له، وإذا ما قام بذلك بالفعل فإنه لا يمكن لصاحب الشقة الحقيقى أن يُسجل ملكيته لها إلا بعد أن يتم بحث الطلب الأول الذى قد يستغرق فى العادة عامين.

«البعض يلجأ لذلك من أجل مساومة أصحاب الحق». وثمة حيل أخطر، كما يضيف سيد، يلجأ إليها «رجال أعمل وذوى نفوذ» للاستيلاء على ما هو أكبر من مجرد شقة، مستغلين ضعف الشهر العقارى، وتوزع المهام التى يقوم بها على أكثر من جهة.




كان هناك ما هو أسوأ
وبالرغم مما يحكيه المواطنون سابقا من حكايات وتجارب غير سارة مع الشهر العقارى، تؤكد وزارة العدل التابع لها مصلحة الشهر العقارى والتوثيق أن ثمة تطورا ما قد حدث.

قبل نحو شهرين، ومع بداية التحركات المطالبة بتطوير أوضاع المصلحة والعاملين فيها، أصدرت الوزارة بيانا بعنوان «بعض إنجازات وزارة العدل فى قطاع الشهر العقارى» عرضت فيه ما قالت إنه «تقرير البنك الدولى عن ممارسة الأعمال فى 181 دولة لعامى 2008 و2009».

فى هذا البيان قالت الوزارة إن تقرير البنك الدولى أكد أن مصر من أكثر الدول، التى استطاعت تسهيل عمليات التسجيل مما رفع مرتبتها بين الدول، وبعد أن كانت بعيدة عن المقارنة فى عام 2006 أصبحت مرتبتها بين الدول التى شملها تقرير 2008 المرتبة 104، ثم تطورت مرتبتها فى تقرير 2009 فأصبحت فى المرتبة 85.

وعزت الوزارة ذلك إلى اختصار عدد إجراءات التسجيل العقارى، والتى «أصبحت 7 إجراءات فى المتوسط، وتخفيض عدد الأيام التى يستغرقها التسجيل فبعد أن كانت 193 يوما فى المتوسط عام 2006 أصبحت 72 يوما فقط عام 2008».

وأشار البيان إلى أن الوزارة أنشأت 46 فرعا للتوثيق بالأماكن النائية فى 19 محافظة، بالإضافة إلى تجهيز 15 فرعا جديدا للتوثيق للافتتاح خلال شهرى نوفمبر وديسمبر (الماضيين)، فضلا عن إنشاء مقر للشهر العقارى والتوثيق فى أى مجمع جديد للمحاكم يتم تشييده.

لكن كل هذه «الإنجازات» تبدو بلا قيمة سواء بالنسبة لـ»عم عبدالعال»، أو «عاطف الشربينى» المدير الإدارى أو «سيد نبيل» المحامى، طالما أنهم لا يزالون يعانون فى تعاملاتهم المتقطعة أو اليومية مع المصلحة.



«هيئة عقارية مستقلة» هل تكون حلًا؟
فى مبنى نقابة الصحفيين بوسط البلد، جلس الباحث القانونى الشاب بمصلحة الشهر العقارى «ياسر عرفة»، عضو اللجنة المُكلفة رسميا من نحو 8 آلاف شخص من العاملين بالمصلحة بالتفاوض بشأن مشروع القانون المقدم منهم بتحويلها إلى «هيئة قضائية مستقلة للملكية العقارية»، يتحدث عن «شرعية مطالبهم وأهميتها للمواطنين والصالح العام».

قال عرفة الذى ينتظر الحصول على الدكتوراه فى القانون، محاولا تلخيص قضيته: «نظرا للدور الخطير، الذى تلعبه المصلحة فى سير العدالة والحفاظ على الملكيات العقارية والمنقولة لأفراد المجتمع، سواء كانت ملكيات عامة أو خاصة، فإنه لا يمكن إلا أن تكون هيئة قضائية ذات سيادة قوية تتمتع بكل الحصانات والميزات، التى تمكنها من مباشرة عملها والتخلى عن النظم الروتينية».

وأضاف موضحا: «حين يُعرض علينا نزاع حول ملكية بين طرفين متضاربى المصالح، فإننا نبحثه من الناحيتين القانونية والواقعية، وفى بعض الحالات لابد أن ننزل إلى الواقع ونقابل شهودا من الطرفين، وفى النهاية ننتهى إلى قرار يفصل فى القضية، ويكون بمثابة حكم قضائى». وهذا القرار أو الحُكم «لازم تحميه وما ينفعش يطلع من موظف إدارى بيرتعش».

بجوار عرفه كان يجلس عدد من زملائه، طلبوا عدم الإشارة إلى أسمائهم، أخذوا يستعيدون عديدا من الحوادث، التى تعرضوا فيها لضغوط من أشخاص، منها مثلا عندما وضع عمدة إحدى القرى مسدسا فى رأس أحدهم قائلا له «اكتب وإلا هفرغ المسدس فى دماغك».

لكن مثل هذه الضغوط ربما تهون بجانب الضغوط التى تمارس عليهم، كما يقول أحدهم «من جانب وزارة العدل التابع لها مصلحة الشهر العقارى، والأوامر التى تأتى بالتليفون من هناك: فلان خلصوا له الطلب بتاعه، والطلب بتاع المستشار أو رجل الأعمال فلان تسجلوه دلوقت».

«هذه الحوادث ليست مجرد حوادث فردية عارضة» كما يشير أحد زملاء عرفة، الذى يقول «وزارة العدل درجت منذ إنشاء الشهر العقارى عام 1946 على التدخل بشكل مطلق فى أعماله ومحاولة السيطرة عليه بالمخالفة حتى لقوانين إنشائه وتنظيمه (القانون 114 لسنة 1946، والقانون رقم 5 لسنة 1964)».

فى هذا الإطار ينظر عرفة وزملاؤه، إلى ردود فعل وزارة العدل على مطالبهم والطريقة، التى تعاملت بها اللجنة التى شكلها وزير العدل برئاسة مساعد الوزير لشئون التشريع لمناقشة مشروع قانون إنشاء «هيئة الملكية العقارية والتوثيق»، الذى تقدم به الأعضاء القانونيون بالمصلحة.

يقول عرفه الذى لم يُسمح له سوى بحضور جانب من الجلسة الأولى لهذه اللجنة فقط: «شعرنا أنها مجرد لجنة شكلية تفتقر للحيادية، وأن أعضاءها متحفزون ضدنا ولا يريدون أن يسمعوا منا».

ويؤكد د.حسام الدين الأهوانى، عميد كلية الحقوق بجامعة عين شمس، على الأهمية كبيرة لمصلحة الشهر العقارى والدور، الذى تقوم به فى حماية الملكية العقارية، ويرى أنه لابد من تدعيمها وإعطائها مزيدا من السلطات، فضلا عن تدعيم كوادرها وتحسين وضعهم الأدبى.

غير أن الدكتور الأهوانى وإن كان يرى أن الأعمال الفنية، التى يقوم بها الأعضاء القانونيون بالمصلحة «نظيره للأعمال القانونية ولا تقل أهمية عما يقوم به القاضى»، إلا أنه يبدو متحفظا على التوسع فى إنشاء الهيئات القضائية عموما ويرى أن تطوير المصلحة لا يقتضى بالضرورة أن تكون «هيئة قضائية».

لكن «عرفه» يعود ويؤكد أن الأمر يقتضى ذلك، مشيرا إلى أن هناك حكما للمحكمة الدستورية العليا يوضح أن هناك معيارين لتحديد الهيئة القضائية، هما «أن تقوم بالفصل فى منازعات قانونية، وتسهم فى سير العدالة»، وهو ما يراه متوافرا فى عمل المصلحة.

ويشير عرفة كذلك إلى أن «إنشاء هيئة مستقلة للملكية العقارية» هدفه فى النهاية المصلحة العامة وحماية الملكية العقارية والمنقولات، وتيسير الإجراءات وتوحيد الجهات المسئولة عن الملكية العقارية والموزعة الآن بين الشهر العقارى والمساحة والضرائب العقارية».

وهو ما يؤكده د.سعيد الشناوى، خبير التقييم الاقتصادى المعتمد لدى البنك المركزى المصرى، الذى يشير إلى الأهمية الاقتصادية الكبيرة لتطوير مصلحة الشهر العقارى «وما سيؤدى إلى ذلك من جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية ودعم الاستثمار المحلى وتهيئة البنية الأساسية لذلك».

وحرصا على المعايير المهنية التى تقتضى استكمال الصورة من جميع أطراف القضية، فقد حاولت «الشروق» مقابلة المستشار محمد حسنى مساعد وزير العدل لشئون الشهر العقارى للرد على الاتهامات الموجهة للوزارة ومعرفة وجهة نظره فى مشروع القانون المقدم لتحويلها إلى «هيئة للملكية العقارية».

إلا أن المستشار حسنى اعتذر عن الحديث، مشيرا إلى أن هناك متحدثا رسميا باسم الوزارة هو المستشار «أسامة عطاوية»، الذى وجهت «الشروق» نفس الأسئلة له ولم تحصل أيضا على رد.





تجمع 30 موظفا وقانونيا بعد أوقات العمل الرسمية أمام مقر الحزب الوطنى الديمقراطى بسوهاج مطالبين قيادات الحزب بتبنى مشروع تحويل الشهر العقارى إلى هيئة قضائية مستقلة تحمل اسم "هيئه الملكية العقارية والتوثيق"، واصفين وزارة العدل بأنها العقبة الوحيدة فى تنفيذ المشروع الذى تسعى لإجهاضه بشتى الطرق.

وقال د. صلاح خليفة عضو اللجنة السباعية عن مصلحة الشهر العقارى، إننا نطالب بتحويل مصلحة العقارى إلى هيئة قضائية مستقلة مستندين فى ذلك إلى نصوص القانون وإلى بعض الدول العربية والأجنبية فى ذلك الشأن مثل ليبيا والكويت والنمسا والمجر وألمانيا.

وقال إن تحويل المصلحة إلى هيئة قضائية يشجع الاستثمار العقارى ويوحد جهات التسجيل والمنقولات، وكذلك يوفر الوقت والجهد والمال على المواطنين حيث يتردد المواطن على مكان واحد فقط.

وأوضح أن هناك العديد من المميزات لهذا المشروع منها استفادة قومية فيما يتعلق بحماية الملكية العقارية والتى تعتبر الركيزة الأساسية للاقتصاد المصرى من الضياع، واستفادة اقتصادية بالمحافظة على الملكية العامة والخاصة من النهب الذى تتعرض له من قبل أصحاب النفوذ وأصحاب المصالح الشخصية.

وقال إنه، بدءا من الأمين العام ورئيس القطاع ووكلاء الوزارة والأمناء العامين والمساعدين بالمحافظات لا يحركون ساكنا ولا يقولون شيئا بل إنهم يخافون على كراسيهم ومناصبهم.

وعن سبب لجوء أعضاء المصلحة إلى الحزب الوطنى صرح لأنه الحزب الحاكم وأننا سعداء بمقابلة د. نشأت العريس القائم بأعمال أمين الحزب الوطنى بسوهاج، والذى أكد أنه سوف يتم رفع المذكرة الخاصة بهم إلى الأمانة العامة خلال ساعتين ونحن فى انتظار الرد.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق