السبت، 16 أبريل 2011

«هيئة الملكية العقارية والتوثيق»، باعتباره الحل الأمثل، الذى يخدم الصالح العام ومعه مصالح المواطنين والعاملين.

على باب «مصلحة الشهر العقارى والتوثيق» بمكاتبها الممتدة بطول مصر وعرضها يقف كل يوم آلاف المواطنين على أقل تقدير، سعيا وراء قضاء مصالح حيوية شتى؛ من توثيق توكيلات البيع والشراء والتقاضى وغيرها، إلى تسجيل وحماية ملكياتهم العقارية من أراض ومبان.

وفى حين تتحدث وزارة العدل التابع لها المصلحة عن «إنجازات»، يؤكد المواطنون أنهم يجابهون بأشكال وألوان من «الروتين وبطء الإجراءات وتعقيداتها فضلا عن الإهمال وفساد الزمم»، وهى المنظومة التى تجعل البعض يخرج وهو «يلعن اليوم إللى جه فيه هنا» على حد قول أحدهم.

وربما كان الوجه الآخر لمعاناة المواطنين على أبواب المصلحة، هو معاناة الموظفين الموجودين بداخلها، الذين تحركوا فى الآونة الأخيرة مطالبين بتطوير أوضاعهم وأوضاع «مصلحتهم» بعد أن تردت، كما يقولون، الأحوال بما يفوق قدرتهم على الاحتمال.

وما بين معاناة المواطنين ومعاناة الموظفين، يطرح العاملون فى المصلحة وقياداتهم مشروع قانون إنشاء «هيئة الملكية العقارية والتوثيق»، باعتباره الحل الأمثل، الذى يخدم الصالح العام ومعه مصالح المواطنين والعاملين.

وإذا كان هناك اختلاف حول بعض بنود هذا المشروع، لاسيما فيما يتعلق بالطبيعة القضائية لهذه الهيئة، إلا أنه لا يكاد يختلف أحد من المتخصصين والعالمين ببواطن الأمور على الضرورة الملحة لتطوير مصلحة الشهر العقارى والتوثيق.

الموظفون: محبطون وممكن (نضيع)البلد
وسط كومة كبيرة من الوثائق الملقاه أمامه وإلى جانبه، وعشرات البشر الملتفين حوله والواقفين بجواره فى انتظار قضاء مصلحة لهم، جلس الباحث القانونى الشاب الذى لم يتعد الثلاثين من العمر «محمد فايز» فى «مكتب توثيق الجيزة» التابع لـ«مصلحة الشهر العقارى والتوثيق».

كان محمد الحاصل على درجة الماجستير فى القانون، يقوم بعمله قدر الإمكان محاولا التغلب على كل الأشياء المحبطة التى دفعته للمشاركة قبلها بأيام فى إضراب عن العمل للمطالبة بتطوير أوضاع المصلحة وتحويلها إلى هيئة قضائية باسم «هيئة الملكية العقارية والتوثيق».



لو مش مُهمين ماكناش حلفنا اليمين
محمد هنا ليس الاسم الحقيقى لهذا الباحث الشاب الذى طلب عدم ذكر اسمه خوفا من «التنكيل» به؛ خاصة أنه واحد من الدفعات التى تم تعيينها حديثا نسبيا والمكونة فى معظمها من الشباب الحاصل على الماجستير أو الدكتوراه فى القانون، والتى تعتبر بمثابة «الدينامو» وراء التحركات الأخيرة المطالبة بتطوير أوضاع المصلحة.

قبل أن يتحدث محمد عن المشكلات والأسباب التى كانت وراء الاحتجاجات التى قام بها مع زملائه فى الفترة الأخيرة، أراد أن يؤكد أولا على الطبيعة المهمة لعمل المصلحة، مشيرا إلى أنها تختص ببحث وتسجيل الأراضى والمنشآت المبنية عليها، فضلا عن توثيق التوكيلات العامة والخاصة كما فى توكيلات البيع والشراء أو توكيلات القضايا للمحامين، وإقرارات الصلح بين الأفراد، وغيرها».

«إحنا عندنا حاجات اللى يشتغل فيها وهوه مش أمين ممكن يودى ناس فى داهية ويضيع البلد» هكذا استطرد محمد مشيرا أيضا إلى ما يقوم به الأعضاء القانونيون بالمصلحة قبل تسلمهم مهام عملهم من «حلف اليمين» أمام وزير العدل قائلين «أقسم بالله العظيم أن أؤدى أعمال وظيفتى بالشرف والأمانة وأن أحترم الدستور والقانون»، تماما مثلما يفعل أعضاء الهيئات القضائية.




كل ما تشتغل أكتر.. تعمل أخطاء أكتر
لكن على الرغم من هذه الأهمية التى تحظى بها مصلحة الشهر العقارى والدور الحيوى الذى تقوم به، يغرق محمد وبقية زملائه من الأعضاء القانونيين بالشهر العقارى البالغ عددهم نحو 2700 عضو، وإلى جانبهم وإن بأشكال ودرجات مختلفة الإداريين والكتبة والعمال الذين يشكلون مع القانونيين إجمالى 10 آلاف موظف فى مصلحة، يغرقون فى عديد من المشكلات التى يرى محمد أنها «تعوقهم عن أداء عملهم، وتجعل اليأس عنوانا لحياتهم».

يقول محمد وهو يجاهد لكى يكون صوته واضحا بين ضجيج ونداءات الموظفين على المواطنين: «المفروض إن أنا باشتغل هنا باحث قانونى، وتجينى التوكيلات أدور على أصلها، ومين بيوكل مين.

والواحد لو لقى وقت يعمل فيه الحاجات ديه يبقى مفيش توكيل هيعدى من تحت إيده مزور» «لكن لأن مفيش عدد كافى (15 قانونى فقط) ولا أجهزة كمبيوتر، بيقتصر شغلى على إنى كاتب».

يصل عدد التوكيلات التى يحررهها محمد يوميا إلى 70 توكيلا فى اليوم وهو المعدل الذى يقول إنه من أعلى المعدلات على مستوى الجمهورية. «المشكلة إنك كل ما تشتغل أكتر كل ما تعمل أخطاء أكتر، وده بيحصل يوميا تقريبا، وساعات مثلا ممكن تنسى تمضى المواطن على التوكيل أو تنسى تكتب عنوانه مثلا». ويضيف موضحا: «عشان أشتغل صح لازم أشتغل براحتى».

حتى فترة الراحة التى كان مقررا لها نصف الساعة، من الواحدة والنصف وحتى الثانية بعد الظهر، «لغوها، على أساس إن انت مش بنى آدم». هنا رفع أحد زملاء محمد رأسه قليلا من على التوكيلات التى كان منهمكا فى كتابتها، وقال بلهجة ذات مغزى لفتت أنظار بقية الموجودين «وياريت على الاستراحة بس» ثم عاد وانكب على عمله، يؤديه بطريقة آلية معتادة.




لا إجازات ولا رواتب
لا يتجاوز الراتب الأساسى الذى يحصل عليه محمد عن عمله فى الفترة من التاسعة صباحا وحتى الثانية بعد الظهر أكثر من 305 جنيهات، ولا يصبح أمامه بالتالى بديلا عن أن يعمل الوقت الإضافى من الثانية وحتى الخامسة مساء، وذلك نظير 400 جنيه إضافية، ليقترب إجمالى راتبه الشهرى من 800 جنيه. لكن حتى يحصل على الـ800 جنيه ينبغى أن يواظب على عمله طوال الأسبوع بما فى ذلك أيام الجمعة التى يعمل فيها مكتب توثيق الجيزة أيضا، وينبغى ألا تزيد مدة غيابه على 3 أيام فى الشهر.

ينظر الباحث القانونى الشاب إلى هذا الراتب الشهرى الذى يصفه بـ«الهزيل» ويتعجب من الفارق الكبير بينه وبين العائد الذى يدره هو شخصيا على المصلحة ووزارة العدل من حصيلة التوكيلات التى يوثقها والتى تصل قيمتها يوميا إلى نحو 2000 جنيه، هذا فضلا عن العائد الذى يدره «المكتب» ككل والذى يصل إلى نحو 40 ــ 50 ألف جنيه يوميا.

مؤخرا، وبالتزامن مع محاولات أعضاء حملة «عايز حقى» تحرير توكيلات فى الشهر العقارى للدكتور محمد البرادعى تخوله الحق فى تشكيل لجنة لتغيير دستور مصر، أقرت وزارة العدل حوافز إضافية تتراوح بين 220 و350% من الأجر الأساسى. إلا أن ذلك كما يقول محمد لم يغير من أوضاعهم المادية كثيرا خاصة أن هذه الحوافز مشروطة بإنجاز عدد توكيلات معين يوميا.

وتبقى مشكلة ضعف رواتب الأعضاء القانونيين وغيرهم من العاملين بمصلحة الشهر العقارى والتوثيق، تتعدى كونها مجرد مشكلة خاصة بهذه الفئة فقط لتصبح مشكلة تتعلق بمدى كفاءة ونزاهة الجهاز الذى يعملون فيه ككل.

«إذ يلجأ بعض الموظفين من أصحاب النفوس الضعيفة ولاسيما أولئك القدامى المكبلين بمسئوليات وأطفال إلى تقاضى رشاوى، بدليل أن بعض العاملين فى مكاتب المصلحة «عندهم عمارات وعربيات بما لا يتناسب مع دخلهم».




مكتب التوثيق على كف عفريت
مقار مصلحة الشهر العقارى والتوثيق غير المجهزة والمعدة لهذا الغرض والتى تتميز غالبا بالفوضى والزحام الشديد، هى واحدة من بين الأشياء التى تضاف إلى أسباب غضب الأعضاء القانونيين بالمصلحة، وشعورهم بمزيد من «ضياع هيبتهم وهيبة المهنة».

«مكتب توثيق الجيزة» مثلا هو فى الأصل، كما يقول محمد، عبارة عن 4 شقق سكنية مؤجرة فى عمارة قديمة بالقرب من ميدان الجيزة، و«صاحب العمارة واخد حكم بالطرد ومش عارف ينفذ لأن مفيش مكان تانى المكتب يروح فيه». «لو مواطن جاى يعمل أى حاجة هنا بيدوخ».

هنا يشير محمد إلى أن نسبة من الرسوم التى تحصلها المصلحة ووزارة العدل من المواطنين مقابل تحرير وتوثيق «التوكيلات» (تصل إلى خمسة جنيهات) تذهب إلى «إنشاء وتجديد المحاكم». و«يبقى انت اخدت فلوس من الشهر العقارى، وبنيت بيها محكمة، وما إدتناش حتى مكتب نشتغل فيه».

لهذه الأسباب السابقة وجد «اليأس» طريقه إلى «محمد» ولم تتعد مدة عمله بالمصلحة عامين. ولهذه الأسباب أيضا شارك مع زملائه فى التحركات الاحتجاجية الأخيرة والتى يملؤه التفاؤل فى قدرتها على تحقيق مطلبهم بـ«تطوير أوضاع المصلحة وتحويلها إلى هيئة مستقلة للملكية العقارية والتوث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق